الاثنين، 3 نوفمبر 2025

اقتراض وضرائب جديدة.. ماذا ينتظر اقتصاد تونس في 2026

 

تونس

اقتراض وضرائب جديدة.. ماذا ينتظر اقتصاد تونس في 2026

تدخل تونس عام 2026 وسط تحركات اقتصادية، تمزج بين التوسع في الاقتراض الداخلي وفرض ضرائب جديدة، في محاولة لتمويل الميزانية بعيداً عن معضلة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

ورغم توقعات رسمية بإمكانية تحقيق نمو اقتصادي مدفوع بتحسن قطاعي السياحة والفلاحة، إلا أن خبراء اقتصاد يرون أن هذا النمو سيكون ظرفياً وقابلاً للتآكل سريعاً، في ظل ما قد ينتج عن السياسات المالية الحالية من ضغوط إضافية على التضخم والسيولة.

وحذر الخبراء من أن استمرار الاعتماد على التمويل الداخلي والسياسات الضريبية، دون إصلاحات هيكلية جريئة وفتح أوسع لبيئة الاستثمار، قد يحد من قدرة الاقتصاد على التعافي المستدام، مؤكدين أهمية إعادة قنوات التواصل مع صندوق النقد الدولي، باعتباره بوابة لاستعادة الثقة ومنح «الضوء الأخضر» للتدفقات الاستثمارية الأجنبية التي تمثل الشرط الأهم لأي إقلاع اقتصادي حقيقي.

وقررت تونس اللجوء إلى البنك المركزي للحصول على تمويل بنحو 4 مليارات دولار العام المقبل، إلى جانب فرض ضريبة جديدة على الثروة، في محاولة لسد احتياجاتها التمويلية المتزايدة بعد أن رفضت اتفاقاً محتملاً مع صندوق النقد الدولي.

وبحسب مسودة مشروع الموازنة التي اطلعت عليها وكالة «بلومبرغ»، في 16 أكتوبر، فإنه من المتوقع أن يرتفع عجز الموازنة إلى نحو 11 مليار دينار (3.8 مليار دولار) في عام 2026، مقابل 9.8 مليار في العام الحالي، أي ما يعادل نحو 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وفق تقديرات صندوق النقد.

وتسعى الحكومة إلى اقتراض 6.8 مليار دينار من الخارج، إلى جانب 19.1 مليار دينار من السوق المحلية، معظمها من البنك المركزي التونسي، في توجه يعكس اعتماداً متزايداً على التمويل الداخلي بعد تراجع فرص الدعم الدولي.

وتهيمن الضرائب على تحركات الحكومة حيث تتجه إيرادات ميزانية الدولة التونسية لعام 2025 إلى تسجيل ارتفاع بنسبة 4.4% مقارنة بنتائج عام 2024، لتبلغ نحو 49.09 مليار دينار (16.7 مليار دولار) وفقاً لما كشفته وزارة المالية التونسية، الثلاثاء.

وأرجعت ذلك إلى أن هذه الزيادة تعود بالأساس إلى نمو الإيرادات الجبائية بنسبة 6.6% خلال عام 2025 لتصل إلى 44.52 مليار دينار مقارنة بعام 2024، بينما تتراجع الإيرادات غير الجبائية مع توقع أن تبلغ 4.22 مليار دينار في عام 2025، مقارنة بـ4.63 مليار دينار في عام 2024.

فيما تشير مؤشرات الأداء الاقتصادي الأخيرة إلى تحسن ملموس في الوضع المالي، إذ انخفض التضخم إلى 5% في سبتمبر، وهو أدنى مستوى منذ عام 2021، فيما توقع البنك المركزي أن يسجل الاقتصاد نمواً بنسبة 3.2% خلال العام الجاري.

فرص وتحديات

ويرى أستاذ الاقتصاد في جامعة تونس، رضا شكندالي،  أن «حجم ميزانية الدولة في 2026 يقدر بما يصل إلى 79.6 مليار دينار قائمة على موارد جبائية بقيمة 47.8 مليار دينار وموارد اقتراض داخلي بـ19.1 مليار دينار»، موضحاً أن «هذا يعني أن 84% من حجم ميزانية الدولة ستمول أساساً بالجباية والاقتراض الداخلي خاصة من الاقتراض المباشر من طرف البنك المركزي».

وزادت ميزانية الدولة في 2026، مقارنة بعام 2025 بما يقارب 3 مليارات دينار، كما يشير شكندالي، مضيفاً: « لكن الزيادة في الموارد الجبائية تقدر بـ 3.3 مليار دينار وقد فاقت الزيادة الإجمالية لميزانية الدولة وبالتالي يمكن وصف قانون المالية بأنه قائم على الجباية بامتياز».

والزيادة في الضرائب لا سيما على الثروة التي تعول عليها الحكومة والإتاوات الأخرى سيتحملها المواطن التونسي في نهاية المطاف، وفق شكندالي، موضحاً أن الحكومة تطمح من خلال هذا القانون إلى بلوغ نسبة نمو اقتصادي بنسبة 3.3% في 2026، وهذه نسبة تفاؤلية للغاية مقارنة بتقديرات المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد اللذين لم يتوقعا هذه النسبة بل التوقعات أقل من 3%.

ويرى أستاذ الاقتصاد في جامعة تونس، أن «تلك السياسات الاقتصادية تمنع تنشيطاً حقيقياً للاقتصاد العام المقبل ويبقى الاقتراض من البنك المركزي نوعاً من المغامرة غير محمودة العواقب؛ لأن هذا يقلص تمويل استثمارات القطاع الخاص والسيولة النقدية وسيوجه السيولة كلياً لتمويل نفقات الدولة».

ويرجح أن تمرير الموازنة بهذا الشكل عبر البرلمان سيكون له «عواقب وخيمة على الاقتصاد من شح السيولة وعدم دعم الاستثمارات الخاصة وتداعيات تنموية سلبية وتداعيات تضخمية جراء استهلاك الاقتراض الحكومي المباشر في غايات استهلاكية وتداعيات على جيب المواطن».

وبشأن رؤيته لحل تلك التحديات، أوضح شكندالي أنه «لا بد من إصلاحات اقتصادية وتشجيع الاستثمار الخاص لخلق الثروة المنتجة وتقليص الضغط الجبائي ومراجعة السياسة النقدية وسن قانون يمنع استهلاك الاقتراض المباشر لتمويل نفقات الدولة».

ويخلص إلى أنه «إن كان الاقتراض والضرائب شراً لا بد منه لا بد أن يوجه الاقتراض لتمويل النفقات الاستثمارية للدولة فهي القادرة على تشجيع الاستثمار الخاص ودفع النمو الاقتصادي».

وفي الثامن من أكتوبر الجاري، أعلنت وزارة المالية التونسية سداد كامل أقساط ديونها الخارجية لعام 2025 قبل نهاية السنة بثلاثة أشهر، إذ تمكّنت حتى نهاية سبتمبر من سداد 125% من التزاماتها الخارجية، متجاوزة بذلك المبلغ المحدد في قانون المالية والمقدر بـ8.4 مليار دينار (نحو 2.9 مليار دولار).

وبحسب مشروع ميزانية الدولة لسنة 2025، كانت تونس مطالبة بسداد 18.1 مليار دينار من أصل الدين العام، منها 8.4 مليار دينار تمثل ديوناً خارجية، و9.7 مليار دينار تخص الديون الداخلية.

ووفق البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، فإن نسبة الدين الخارجي انخفضت من إجمالي الدين العام من 70% في 2019 إلى 50% في 2025.

كما يتوقع البنك انخفاض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 80.5% بنهاية العام الحالي، في مؤشر على تحسن التوازنات المالية العامة.

خيارات لا بد منها

وفي قراءتها للمشهد الاقتصادي في عام 2026، تعيد الخبيرة الاقتصادية التونسية، خلود التومي، في حديثها لـ«إرم بزنس» الذاكرة للوراء، موضحة أن الموقف في تونس تقريباً من عام 2021 يقف في حالة عدم قدرة على الخروج للأسواق الخارجية، بسبب رفض الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وهو بيت الخبرة الأول وصاحب الإشارة الخضراء للخروج لتلك الأسواق.

وأوضحت أن ذلك الرفض غير فكرة تونس جذرياً في مواردها حيث أصبحت تعتمد على الموارد الجبائية والقطاع البنكي، وعلى مداخل سنوية من السياحة والقطاع الفلاحي، مشيرة إلى أن هذا جعلها حتى في الميزانية الجديدة تعتمد على التمويل الذاتي دون إيجاد حلول جذرية لتغير الواقع الاقتصادي، وحصلت الميزانية في 2025 على ما يقارب 7 مليارات دينار تمويلات مباشرة وفي 2026 يتوقع أقل من الضعف بما يصل إلى 11 مليار دينار.

وتعتقد أن الاعتماد على هذين المسارين لدعم الاقتصاد يشكل «خطراً كبيراً وعبئاً على اقتصاد 2026 الذي قد يتجه لمزيد من تقشف المواطن»، في ظل رواتب لم ترتفع ونسب فقر ترتفع واتساع للرقعة الجبائية بنسبة تفوق الـ25% وهي الأعلى نسبة في إفريقيا، وتراجع في الاستثمارات خشية القيود والضرائب وعدم وجود حوافز.

وأوضحت أن التخطيط لطرح سندات أيضاً، يواجه بمخاطر كبيرة لكل من سيقبل عليها، وتنفيذها صعب في ظل عدم وجود دعم دولي من المؤسسات الدولية ورفض التعاون مع صندوق النقد، في إشارة لما نقله إعلام تونسي بشأن أن الحكومة تخطط لإصدار سندات دولية بقيمة 470 مليون دولار خلال عام 2026، في خطوة تمثل أول عودة لتونس إلى الأسواق المالية العالمية منذ عام 2019.

وفي نظرتها لحل تلك التحديات ترى التومي، أهمية تيسير المسارات الاقتصادية أمام المستثمرين دون عراقيل وإجراء إصلاحات اقتصادية، مؤكدة أن نمو اقتصاد تونس حالياً يعد ظرفياً متأثراً بالقطاع الفلاحي والسياحي، وليس بالاستثمارات.

وتضيف التومي لتلك الحلول، خيار الذهاب لمشاورات مع صندوق النقد، قائلة: «عندما تخيرني للتوجه لصندوق النقد أو إكمال هذه السياسات الاقتصادية الحالية لتوفير موارد للدولة التونسية أقول لك اذهب لصندوق النقد لأنه لم يطلب المستحيل طلب إصلاحات اقتصادية أساسية تعطي للبلاد الإشارة الخضراء للتوجه للاستثمار في الأسواق الخارجية والقدرة على الاقتراض من الخارج لتوفير النفقات والابتعاد عن الجبايات».

 

SHARE

Author: verified_user

0 Comments: