الأربعاء، 20 نوفمبر 2024

الثروة البحرية في خطر.. بحارة قليبية يطالبون بتفعيل الراحة البيولوجية

 

الحياة البحرية
الحياة البحرية


الثروة البحرية في خطر.. بحارة قليبية يطالبون بتفعيل الراحة البيولوجية


ضم البلاد التونسية حوالي 42 ميناء صيد بحري ومرفأ، موزعة على كامل الشريط الساحلي، وتنقسم بين موانئ مخصصة للصيد الساحلي وأخرى للصيد في الأعماق، وفق إحصائيات لوزارة المالية التونسية أوردتها في مشروع میزانیة الدولة لسنة 2024 ضمن مھمة الفلاحة والموارد المائیة والصید البحري.

وبلغت صادرات منتجات الصيد البحري وتربية الأسماك إلى موفي شهر سبتمبر/أيلول 2024 نحو 26.2 ألف طن بقيمة 599.4 مليون دينار مقابل حوالي 25.7 ألف طن بقيمة 554.4 مليون دينار خلال نفس الفترة من سنة 2023 بحسب المجمع المهني المشترك لمنتوجات الصيد البحري.

ورغم أهمية قطاع الصيد البحري في الاقتصاد التونسي نظرًا لموقع تونس الجغرافي الذي جعلها تتمتع بثروة سمكية متنوعة وهامة، فإنّ عدة أخطار تواجه القطاع وتهدد الثروة البحرية ومشاكل تواجه العاملين في المجال.

فقد أطلق بحارة ميناء  قليبية (ميناء صيد في الأعماق) صرخة فزع، للدعوة إلى ضرورة تفعيل الراحة البيولوجية وتمكينهم من المنح المالية المتعلقة بها

"إن الإشكال قديم ومتجدد" يقول الكاتب العام للجامعة الجهوية  للصيد البحري بقليبية فوزي الجربي لـ"الترا تونس". ويضيف: "لقد جمعتنا اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي سنة 2009 فرضت راحة بيولوجية لسمك "البوسيف" (أبو سيف) والتونة والأسماك المهددة بالانقراض".

ويخضع صيد سمك أبو سيف في تونس إلى:

  • أحكام الاتفاقية الدولية للحفاظ على أسماك التونة الأطلسية، وبشكل أكثر تحديدًا إلى التوصية رقم 16-05 التي تنص على إنشاء برنامج متعدد السنوات لاستعادة مخزون سمك أبو سيف في البحر الأبيض المتوسط
  • القانون رقم 94-13 المؤرخ 31 جانفي/يناير 1994 المتعلق بالصيد البحري
  • قرار وزير الفلاحة بتاريخ 28 سبتمبر/أيلول 1995 بشأن تنظيم الصيد البحري.
  • قرار وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري بتاريخ 22 أفريل/نيسان 2019 بشأن تنظيم صيد سمك أبو سيف الذي ينصّ على أنه:
  1. يحظر صيد سمك أبو سيف لمدة 3 أشهر متتالية من 1 جانفي/يناير إلى 31 مارس/آذار من كل عام.
  2.  حجم السمكة يجب أن يكون أكبر من 100 سم مقاسة من نهاية الفك السفلي إلى النهاية الخلفية لأصغر شعاع ذيلي.
  3. لا يقل حجم الصنار المسموح بها عن 7 سم ويقتصر عدد الصنارات لكل قارب صيد على 2500 وحدة.

ويرى الكاتب العام للجامعة الجهوية  للصيد البحري بقليبية فوزي الجربي أنّ وجود هذه النصوص المنظمة للقطاع أمر محمود، لكنه يتطلّب أيضًا توفير مورد رزق للعاملين في البحر، متسائلًا: "من أين سيحصلون على قوتهم؟".

وفي هذا الصدد، طالب محدث  بضرورة تفعيل صندوق الراحة البيولوجية الذي يقتطع من 1 إلى 2 بالمائة من مداخيل البحار، مشددًا على ضرورة تقديم هذه المنحة لكل البحّارة لا أن تقتصر على بحارة خليج قابس وعدد من بحارة صفاقس، وفق ما جاء في تصريحه.

في المقابل، انتقد كاتب عام الجامعة الجهوية للصيد البحري بقليبية تجاوزات عدد من البحارة الذين يتلاعبون بالثروة السمكية من خلال صيد الأسماك الصغيرة لأن كميتها أكثر وتحقق أرباحًا أفضل من اصطياد السمك الكبير الذي يكون عدده أقلّ وثمنه أغلى وبالتالي ربحه أقل.

كما عبّر عن استيائه من اصطياد سمك السردين صغير الحجم والذي لا يصلح للأكل بل يتم استعماله "علفًا لأسماك التونة وتصنع منه فارينة السردين التي تقدم للحيوانات"، وفق تصريحه.

ودعا فوزي الجربي سلطة الإشراف إلى السماح للبحارة مجددًا بممارسة الصيد العرضي بعد أن تم حرمانهم  منه منذ سنتين.

وأضاف، في حديثه، أنّ صيد سمكة التونة ممنوع دون ترخيص، وأنّ القانون يعاقب كل صياد يحصل في شباكه على سمكة تونة ولو بالصدفة، معتبرًا أنّ العقوبات المسلطة مجحفة جدًا تصل إلى منع المركب من الصيد.

واعتبر الجربي، الذي ورث مهنة الصيد البحري أبًا عن جد منذ أكثر من 20 عامًا، أنّ قطاع الصيد البحري يتم تجاهله ولا توجد متابعة حقيقية وجدية له، مستطردًا أنه ثروة وطنية تستحق التدقيق رغم القوانين الموجودة التي تنظمها على غرار مجلة الصياد التي لا يتم تطبيق بنودها، وفق تقديره.

من جانبه، أكد أشرف الهمامي، وهو ربان صيد في الأعماق، أنّ مطلب البحارة بقليبية هو تفعيل الراحة البيولوجية وتعميمها على جميع الأصناف والموانئ طالما يساهم كل البحارة في دفع معاليمها، معتبرًا أنّ "كل السواحل التونسية  تعاني من الاستنزاف وبالتالي من غير المعقول أن تنتفع  جهة واحدة بمنحة الراحة البيولوجية"، حسب رأيه.وكشف محدثنا أنّ الأسماك التي يتم اصطيادها أصبحت في أغلبها صغيرة الحجم حتى تلك التي تتم المحافظة عليها والعناية بها في خليج قابس، وأنّ عددًا آخر من أحجام القشريات لم تعد موجودة وكذلك الرخويات. 

وأشار إلى أنّ كل أسماك البحر الأبيض المتوسط تشهد تراجعًا في حجمها، موعزًا ذلك إلى الصيد العشوائي والتغيرات المناخية التي أثرت بشكل مباشر على هذه الثروة.

ودعا أشرف الهمامي الباحثين إلى دراسة وضعية الصيد البحري وتقديم الوضعية الحقيقية للثروة البحرية  ومشاكلها، معبرًا عن أمله في أن يرافق الباحثون البحارة، "فلا أحد يمكن أن يبتّ في هذه الوضعية سوى العلم"، على حد قوله.

على صعيد آخر، بيّن محدثنا أنّ المياه الاقتصادية المشتركة بين تونس وإيطاليا في حاجة إلى العمل عليها ومزيد إيلاء الاهتمام بها.

كما شدد على أنّ القطاع في حاجة إلى تعاون كل الأطراف خاصة وأنّ الأزمة تتعمق العام تلو الآخر ولا من مجيب، على حد ما جاء على لسانه.

من جانبها، قالت رئيسة دائرة الصيد البحري بقليبية إيناس بن حفصية في تصريح  إنّ الراحة البيولوجية يضبطها القانون عدد 17 لسنة 2009 المتعلق بإحداث نظام الراحة البيولوجية في قطاع الصيد البحري، ويتمتع بها لمدة 3 أشهر بحارة خليج قابس، ولم تتمّ مراجعتها رغم المطالبة بأن تشمل موانئ أخرى.

وبينت أنّ هذه الفترة  تعرف صيد "البوسيف" بأحجام صغيرة نسبيًا خاصة بالنسبة للبحارة الذين لا يريدون الدخول للأعماق في شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني. وتم اختيار جانفي/يناير وفيفري/شباط ومارس/آذار كفترة راحة من قبل البحارة وتم الاتفاق عليها دوليًا أيضًا.

وأشارت إيناس إلى أنّ البحارة غير متفقين فيما بينهم، فمصالح هذه المجموعة ليست نفسها مصالح الأخرى، مستطردة القول: "نحن مطالبون بفترة موحدة على المستوى الوطني، وإرضاء الجميع غاية لا تدرك وهو ما يفسر هذه الإشكاليات"، على حد قولها.

وأبرزت أنّ تغيير هذه الفترة ممكن لكن بشرط أن يتفق الجميع فيما بينهم حول ذلك وأن يتم ذلك تحت إشراف دائرة الصيد البحري بقليبية، معقبة: "يتم فيما بعد إبلاغ الأطراف الدولية التي تربطنا بها اتفاقيات وذلك ليس بالعملية البسيطة، ويتطلب وقتًا"، حسب تقديرها.

أما فيما يتعلق بالصيد العرضي، فكشفت رئيسة دائرة الصيد البحري بقليبية أنّ البحارة يقومون بصيد مستهدف ويدّعون أنه عرضي لذلك تم حرمانهم منه خاصة مع قلة إمكانيات المراقبة بشريًا ولوجستيًا، وفق تصريحها.

وأكدت إيناس بن حفصية أن الهدف الأساسي من ذلك هو حماية الثروة البحرية، معقبة أنه "إذا لم تتوفر الإمكانيات اللازمة في البحر والبر فإن التجاوزات يمكن أن تحدث".

كما أشارت محدثة "الترا تونس" إلى أنّ التغيرات المناخية والتلوث وارتفاع درجات الحرارة، ساهمت جميعها في ظهور أصناف بحرية أخرى تتأقلم مع هذا المناخ وتستوطن في بحار تونس وتقضي على الأصناف الموجودة، وهي حقيقة لا يمكن إنكارها، على حد قولها.

واعتبرت أن قطاع الصيد البحري مهمش في تونس ويمر بفترة صعبة طويلة متواصلة ولا وجود لأي تنمية فيه وهو يتآكل شيئًا فشيئًا، مستطردة: "نحن بصدد مسايرته ولسنا بصدد البناء".

وتوجهت إلى البحارة داعية إياهم إلى الحفاظ على هذه الثروة والابتعاد عن الجشع وتكوين الثروات من وراء البحر، لأن استغلال البحر واستنزافه هو استنزاف لمستقبل الأجيال القادمة، حسب تعبيرها.


وبيّن محدثنا أنّ المنتفعين هم بحّارة خليج قابس ومراكب الصيد بالجرّة على اعتبار أنّ هذا الخليج هو محضنة أسماك البحر الأبيض المتوسط، لكن دون التفكير في أنّ بقية السواحل أيضًا تعاني من إشكاليات.

وتحظر التوصية رقم 5/2018/42 والصادرة عن المفوضية العامة لمصائد الأسماك بالبحر المتوسط الصيد بشباك الجر في قاع البحر بين الشـاطئ وخط عمق 200 متر في خليج قابس بين جويلية/يوليو وسبتمبر/أيلول من كل عام، للسماح للكائنات والنظم البيئية البحرية بالتعافي. 

وتم تطبيق هذا الإجراء على الأسطول التونسي العامل في خليج قابس منذ عام 2009، وفقًا لتوصية اللجنة الاستشارية العلمية التابعة للمفوضية بشأن تقليل الصيد من أجل المخزون السمكي القاعي في البحر المتوسط.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق